هناك قول مأثور ينسب إلي أحد فلاسفة اليونان القدماء يقول: "إذا أردت أن تتعرف إلي شعب فتعرف إلي أغنياته".
إذا فالأغنية كانت ومازالت ذلك الفن الخطير المؤثر في علو شأن المجتمعات أو تحللها وانهيارها. هذا يعني أنه إذا أردت الدفع بشعبك إلي حلبات الصراع والدفاع عن الوطن فليس أكثر تهيئة من الأغنية في كافة الفنون لتنوب عنك في هذه المهمة التي تحتاج منك إلي شديد إقناع وصدق توجه.
لماذا؟ الآن الأغنية "أخف" أنواع الفنون قاطبة، فهي فن قليل الوزن طيار، بمعني أنه ينتقل من مكان إلي مكان كما ينتقل ضوء البرق. فأنت لا تجلس إلي الأغنية، ولا تنكر أنك استمعت إليها ومع ذلك تجدها قد تسربت إليك لا تدري متي أو كيف وتجد نفسك تعرفها وكأنك مؤلفها، كما وأن معانيها – بجيدها ورديئها، بحسنها وقبحها – تتسرب إلي وجدانك ثم تصعد إلي عقلك منتقلة من مرحلة الإحساس إلي مرحلة الوعي.
لذلك نخوض أحيانا- بل غالبا- حربا قاسية ضد كل من يحاولون – بتعمد أو بجهل- تحويل الأغنية من كونها فنا عظيما إلي سلعة تجارية تافهة دفها المال ولا شيء غيره حتى لو دمرت شعوبنا وزرعت في قلوبنا عدم الانتماء والتعامل مع الأوطان كالغرباء وبددت طاقات شباب الأمة فيما لا يفيد.
لست أعني بذلك أن يتحول الغناء إلي ضجيج وأناشيد مناسبات وغيره، وإنما حتى تلك الأغنيات العاطفية قد تسرب إليها الميكروب الضار فصارت شتائم وإهانات من الحبيب للمحبوب واتهامه بكافة أنواع الاتهامات ووصمه بالخيانة والبيع والشراء، ولا أدري لعمري كيف يفضل من يحب تلك الموصومة أن من يحبها يكون موصوما مثلها؟
لقد تحول الغزل إلي سباب والحب الذي يجب أن نعلمه لجماهيرنا إلي إهانات قاسية للأخر، وراح المطربون من خلال مؤلفيهم يصفون حساباتهم المرضية من أحبائهن التافهات.
ونفس الأمر مع المطربات في "ردعتهن" للجنس الأخر وإغاظتهم بأنهن في طريقهن للأحباب الآخرين.
هيستيريا عصابية، وتمزيق لكل معني يوثق الروابط ويعلم الناس احترام العاطفة السامية المسماة بالحب.
ولم تعد هناك أغنية للام تمجد فضائلها وتنبه لاحترامها وضرورة رد جمائلها، ولا أغنية للأب أو للصديق أو للوطن. كلها أغنيات تتلذذ بالتغني بالحقد وتبشر بالانتقام وهكذا صارت سلة المواطن النقية المسماة بالأغنية سلة تلقي بها قاذورات المواطن المرتجلة والأحاسيس الخاملة التي يعبر عنها مؤلفون يفكون الخط بالكاد ويغنيها مطربون يعتقدون أنهم علماء تخصصوا في عواطف البشر.
إنه غرور الجهلاء، وجهل المغرورين.
إن الأغنيات الحقيقية صارت من الندرة بحيث تعثر عليها بصعوبة، تلك التى تحاول التملص من شروط شركات الكاسيت.
كذا وباختفاء الزخم الرحباني، واختفاء رموز الغناء بمصر وانتهاء ظاهرتي "جيل جيلاله" وناس العيوان بالمغرب" والنصوص البكر للأغنية الخليجية، وبدخول الايقاع بصورته المسعورة التي نراه عليها. صارت الغلبة للأغنيات الخفيفة القابلة للرقص عليها، وصارت الغلبة للصورة العارية الموحية بما هو أبعد من عريها ليتراجع النص إلي ما خلف الخلف ولا تعود له نفس القيمة القديمة وتستأصل الظاهرة الجديدة كل تاريخ الغناء العربي من جذوره لتصنع بديلا له كأنا مشوها تضيع بعض ملاحه الجميلة في تشوهاته، وعلي الرغم من وجود بعض النصوص الخليجية واللبنانية والمصرية التي تحاول الانتماء لنهر الغناء الدافق القديم إلا أن الظواهر الجديدة تنزل كالصواعق التي تحرق حقول الخير ولا تبقي سوي رمادها!!
إذا فالأغنية كانت ومازالت ذلك الفن الخطير المؤثر في علو شأن المجتمعات أو تحللها وانهيارها. هذا يعني أنه إذا أردت الدفع بشعبك إلي حلبات الصراع والدفاع عن الوطن فليس أكثر تهيئة من الأغنية في كافة الفنون لتنوب عنك في هذه المهمة التي تحتاج منك إلي شديد إقناع وصدق توجه.
لماذا؟ الآن الأغنية "أخف" أنواع الفنون قاطبة، فهي فن قليل الوزن طيار، بمعني أنه ينتقل من مكان إلي مكان كما ينتقل ضوء البرق. فأنت لا تجلس إلي الأغنية، ولا تنكر أنك استمعت إليها ومع ذلك تجدها قد تسربت إليك لا تدري متي أو كيف وتجد نفسك تعرفها وكأنك مؤلفها، كما وأن معانيها – بجيدها ورديئها، بحسنها وقبحها – تتسرب إلي وجدانك ثم تصعد إلي عقلك منتقلة من مرحلة الإحساس إلي مرحلة الوعي.
لذلك نخوض أحيانا- بل غالبا- حربا قاسية ضد كل من يحاولون – بتعمد أو بجهل- تحويل الأغنية من كونها فنا عظيما إلي سلعة تجارية تافهة دفها المال ولا شيء غيره حتى لو دمرت شعوبنا وزرعت في قلوبنا عدم الانتماء والتعامل مع الأوطان كالغرباء وبددت طاقات شباب الأمة فيما لا يفيد.
لست أعني بذلك أن يتحول الغناء إلي ضجيج وأناشيد مناسبات وغيره، وإنما حتى تلك الأغنيات العاطفية قد تسرب إليها الميكروب الضار فصارت شتائم وإهانات من الحبيب للمحبوب واتهامه بكافة أنواع الاتهامات ووصمه بالخيانة والبيع والشراء، ولا أدري لعمري كيف يفضل من يحب تلك الموصومة أن من يحبها يكون موصوما مثلها؟
لقد تحول الغزل إلي سباب والحب الذي يجب أن نعلمه لجماهيرنا إلي إهانات قاسية للأخر، وراح المطربون من خلال مؤلفيهم يصفون حساباتهم المرضية من أحبائهن التافهات.
ونفس الأمر مع المطربات في "ردعتهن" للجنس الأخر وإغاظتهم بأنهن في طريقهن للأحباب الآخرين.
هيستيريا عصابية، وتمزيق لكل معني يوثق الروابط ويعلم الناس احترام العاطفة السامية المسماة بالحب.
ولم تعد هناك أغنية للام تمجد فضائلها وتنبه لاحترامها وضرورة رد جمائلها، ولا أغنية للأب أو للصديق أو للوطن. كلها أغنيات تتلذذ بالتغني بالحقد وتبشر بالانتقام وهكذا صارت سلة المواطن النقية المسماة بالأغنية سلة تلقي بها قاذورات المواطن المرتجلة والأحاسيس الخاملة التي يعبر عنها مؤلفون يفكون الخط بالكاد ويغنيها مطربون يعتقدون أنهم علماء تخصصوا في عواطف البشر.
إنه غرور الجهلاء، وجهل المغرورين.
إن الأغنيات الحقيقية صارت من الندرة بحيث تعثر عليها بصعوبة، تلك التى تحاول التملص من شروط شركات الكاسيت.
كذا وباختفاء الزخم الرحباني، واختفاء رموز الغناء بمصر وانتهاء ظاهرتي "جيل جيلاله" وناس العيوان بالمغرب" والنصوص البكر للأغنية الخليجية، وبدخول الايقاع بصورته المسعورة التي نراه عليها. صارت الغلبة للأغنيات الخفيفة القابلة للرقص عليها، وصارت الغلبة للصورة العارية الموحية بما هو أبعد من عريها ليتراجع النص إلي ما خلف الخلف ولا تعود له نفس القيمة القديمة وتستأصل الظاهرة الجديدة كل تاريخ الغناء العربي من جذوره لتصنع بديلا له كأنا مشوها تضيع بعض ملاحه الجميلة في تشوهاته، وعلي الرغم من وجود بعض النصوص الخليجية واللبنانية والمصرية التي تحاول الانتماء لنهر الغناء الدافق القديم إلا أن الظواهر الجديدة تنزل كالصواعق التي تحرق حقول الخير ولا تبقي سوي رمادها!!