من طرف *.* من هوة رشدى اباظه *.*
من 3/8/1926 حتى 27/7/1980
400){ this.height = Math.round(((400)/this.width)*this.height); this.width = (400); }" border=0 name=img>
من مواليد المنصورة من أب مصري و أم إيطالية . الوالد سعيد بغدادي أباظة الذي ينتمي إلى العائلة الاباظية العريقة و الأم السيدة تريزا لويجى. درس رشدي أباظة في مدرسة الخرنفش ثم التحق بمدرسة سان مارك بالإسكندرية القسم الداخلي حين انفصل الأبوين. كان يهوى الكرة الطائرة و كمال الأجسام. له من والده 3 شقيقات رجاء، منيرة ، زينب و شقيق واحد و هو فكرى أباظة الذي التحق بالفن و من والدته شقيق واحد حامد. في سن التاسعة عشرة قرر رشدي ترك الدراسة و اتجه إلى إنشاء محلا لقطع غيار السيارات و لكن المشروع فشل. كانت شلة أصدقائه تتكون في ذلك الوقت من عادل أدهم و على رضا الذين جاءا إلى القاهرة بحثا عن العمل في مجال الفن.
400){ this.height = Math.round(((400)/this.width)*this.height); this.width = (400); }" border=0 name=img>
كان رشدي يهوى لعبة البليارد، و تصادف أثناء وجوه بنادي الريفيرا للبليارد أن رآه المخرج كمال بركات و عرض عليه العمل بفيلم المليونيرة الصغيرة مع النجوم فاتن حمامة و فؤاد شفيق و لولا صدقي. رفضت الأسرة الأباظية عمل ابنها بالتمثيل و طرده والده.
400){ this.height = Math.round(((400)/this.width)*this.height); this.width = (400); }" border=0 name=img>
سقط فيلم المليونيرة الصغيرة فأحبط رشدي أباظة.. ثم تصادف وجوده في إحدى حفلات الجالية الإيطالية.. حيث تعرف على المخرج الإيطالي جو فريدو السندرينى الذي عرض على رشدي إسناد بطولة سينمائية. ووقع رشدي عقد فيلم أمينة.. مقابل أجر 500 جنيه و هو أجر يمثل ثلاثة أضعاف الأجر الذي تقاضاه رشدي في فيلمه الأول. ثم رشحه المخرج ولى الدين سامح لدور في فيلم "ذو الوجهين".
كانت أول زيجات رشدي أباظه المغنية الفرنسية أنى بربيه.. لم يستمر الزواج كثيرا و حدث الطلاق في هدوء تام.. فقد تعرض رشدي لضغط كبير حيث أن العروض كانت تتهافت على أنى بينما خفت نجمه و لم يطلبه أحد للعمل.
ثم تعرف رشدي على فلورنس رئيسة فرقة الباليه التي تعمل في الأوبرج، و نشأت بينهما قصة حب رغم فرق السن بينهما حيث كانت تكبره بعدة سنوات. و نشأت بينهما قصة حب.. ثم تقابل مع كامليا الفنانة الشهيرة التي سرعان ما خطفت قلبه.. و تنبهت فلورنس لذلك الغزو.. وحين عرض بطولة فيلم لرشدي مع كاميليا طلبت منه فلورنس الاعتذار.. و لكنه رفض و انتهت العلاقة لتبدأ أخرى مع كاميليا التي لم يمهلها القدر طويلا حيث ماتت في حادثة طائرة.
400){ this.height = Math.round(((400)/this.width)*this.height); this.width = (400); }" border=0 name=img>
و ظهرت تحية كاريوكا لزيارته للتخفيف عنه من آثر ذلك الحادث الذي أودى بحياة كاميليا.. و بدأت قصة حب أخرى كانت أكثر عنفا و سرعان ما تم الزواج. ووقع رشدي في نزوة مع إحدى قريبات تحية و حينما تأكدت تحية من صحة هذه الخيانة تم الطلاق..
و كان القدر يحمل مفاجآت لرشدي حيث اختاره المخرج العالمي سيسيل دى ميل لأداء أحد الأدوار بفيلمه الوصايا العشرة..و تعرف رشدي على ابنة إحدى العاملات بوبى.. التي سرعان ما خفق لها قلبه و تم الزواج الذي أسفر عن ابنته الوحيدة قسمت.
حدث التباعد و ظهرت الهوة بين الزوجين حيث أن بوبى أدمنت لعبة البر يدج التي كانت تستغرق كل وقتها على حساب ابنتها و رشدي.. و حدث تباعد.. في تلك الأثناء كان رشدي يؤدى دور البطولة في فيلم الرجل الثاني أمام سامية حمال و صباح.. و بدأت قصة الحب الكبيرة بين رشدي و سامية و تم الزواج الذي استمر 18 عاما..
لم تكن تلك الفترة التي قضاها رشدي أباظة مع سامية جمال حلو من الشوائب، فكانت هناك قسمت و مشاكلها، بالإضافة إلى نزوات رشدي العاطفية التي لم تقف عند حد النزوة بل تجاوزتها حين تنامي خبر زواج رشدي بصباح .. تلك الزيجة التي لم تستمر طويلا.. تلتها نزوات بنجمات كبار في ذلك الوقت، بالإضافة إلى عادات الشرب التي دأب علها رشدي.. كل ذلك أدى إلى تراكم المشاكل الزوجية و حدث الطلاق بعد أن زوج رشدي أبنته قسمت.
400){ this.height = Math.round(((400)/this.width)*this.height); this.width = (400); }" border=0 name=img>
فجأة .. فاجأنا رشدي أباظة بزيجة عقلانية جدا من إحدى قريباته من العائلة الأباظية السيدة نبيلة أباظة. و بدأت أعراض المرض تظهر على رشدي أباظة الذي أكد له الأطباء انه يعانى من السرطان و ستكون نهايته قريبة. و قرر رشدي أن يطلق زوجته السيدة نبيلة و برر ذلك لفكري أخيه فقال له: لقد عشت طوال حياتي حرا و أريد أن أموت حرا أيضا".
400){ this.height = Math.round(((400)/this.width)*this.height); this.width = (400); }" border=0 name=img>
الصداقات عند رشدي أباظه كان لها أثر كبير في حياته، فقد جمعته صداقة و أخوة مع ابن عمه وجيه أباظه، الذي كان كاتما لأسراره،كذا النجم الكبير أحمد رمزي، كما جمعنه صداقة مع ليدي السينما المصرية نادية لطفي، كان رشدي يطلق عليها "الواد الشقى" بينما كانت تطلق هي عليه "الطفل المتهور". كانت الثقة بينهما كبيرة حتى أن نادية كانت تمثل الأخت المعتمدة لرشدي أباظة في العائلة الأباظية.الطريف أن رشدي أباظة و فريد شوقي و نادية لطفي قاموا بتأسيس شركة جديدة أطلقوا عليها "النجوم الثلاثة"لإنتاج فيلم يجمع بينهما و قاموا بتوقيع عقود الشركة التي بلغ رأسمالها 12 ألف جنيها مصريا. و مرت أيام و النجم الثلاثة يجتمعون و يسهرون و يقيمون الحفلات دون أن تقدم شركتهم فيلما واحدا. ثم اكتشفوا أن المتبقي من راس المال 6 آلاف جنيها فقط فاقتسموه و كانت نهاية الشركة.. ولكن ليست نهاية الصداقة.
و شــــــــــخـــصـــيـــات ســـــيـــــنـــــمـــــائـــــيـــــه:
الدنجوان(2):رشدي اباظة
رشدي أباظة متمردا.. وعاشقا
طفولة حزينة.. وشباب في حضن الليل!
حطمه التناقض بين حياة أمه.. وتقاليد الأباظية
فشل في الدراسة والتجارة.. فهرب إلي السهرات الحمراء
سنوات الضياع جمعته بـ عادل أدهم وعلي رضا
أول يد حملت رشدي أباظة كانت يد والده الضابط الوسيم سعيد وأول كلمة نطقها الطفل الصغير كانت كلمة إيطالية حين كان يعيش وسط عائلة أمه في المنصورة, وبين الأب الأباظي والأم الإيطالية عاش رشدي تمزقا عنيفا رسم تفاصيل حياته بعد ذلك.
لأن حبهما كان عنيفا, فقد جاء انفصالهما قاسيا, ورغم محاولات الزوج سعيد أباظة إعادة الحياة للعلاقة الزوجية مع ليلي, لاسيما بعد مولد ابنهما رشدي إلا أن رفض الجميع لهذا الارتباط كان أقوي من بقايا الحب في قلب الزوجين العاشقين, وبات علي الطفل الجميل أن يظل يدفع الثمن طوال حياته.
أصبح اسمه رشدي أباظة. طفل جميل ووسيم ينام في حضن أمه الإيطالية الحسناء, يوم5 أغسطس1926 حضر والده للاطمئنان عليهما, ومحاولة إقناع ليلي بالعودة إلي حياتهما الزوجية من أجل ابنهما, لكن الفتاة الإيطالية رفضت بشدة, لأنها تدرك مدي صلابة حماتها ورفضها لهذا الارتباط, ويبدو أن مخاوف الزوجة كانت في محلها, فبعد الولادة بأيام قليلة خاضت جدة رشدي زينب أباظة حربا عنيفة لإقناع الأب بضرورة تربية ابنه وسط عائلته الأباظية العريقة, وحين رفض سعيد أصدرت فرمانا نهائيا بخطف الطفل من أمه في المنصورة, لكن كبار رجال العائلة تمكنوا من إقناعها بقسوة هذا التصرف, ونصحوها بترك رشدي في أحضان أمه, لاسيما في سنوات طفولته الأولي.
كان الأب يتردد علي منزل عائلة زوجته السابقة للاطمئنان علي ابنه, لكن بعد عامين تمت ترقية الضابط سعيد أباظة إلي رتبة يوزباشي ونقله إلي مدينة سوهاج, سافر الأب وترك ابنه في رعاية الأم, فعاش رشدي سنوات عمره الخمس الأولي وسط الجالية الإيطالية في المنصورة, وهو ما انعكس بوضوح علي شخصيته, حيث طغي علي حياته الطابع الأوروبي, حتي إن عيد الكريسماس كان أهم مناسبة بالنسبة له, رغم أنه مصري مسلم.
غير أن حياة الطفل الصغير لم تستمر هكذا, فعلي الرغم من ابتعاده عن أبيه, إلا أن هذا الحرمان كان مجرد بداية لرحلة طويلة من المعاناة والتمزق والضياع, فقد تزوجت الأم من رجل يعمل في القاهرة, فانتقلت للحياة معه في شقة في ميدان الأوبرا, وألحقت رشدي بمدرسة الخرنفش الابتدائية, وفي المدرسة عرف الطفل أن لكل زميل أبا وأما يعيشان معا, وتدريجيا بدأ يشعر أن في داخله جرحا صغيرا, يداريه عن عيون الناس, لكنه يكبر ويتسع, كان يبحث عن والده فيعرف أنه دائم التنقل بين المدن والمحافظات بحكم عمله, بينما كان الأب يعتقد أن زياراته الطويلة لابنه تضمد الجرح الدامي في داخله, كان رشدي وحده يعلم الحقيقة, فقد كان الأب شديد الحرص علي قضاء إجازاته بالكامل مع ابنه الصغير, فحين يصل إلي القاهرة يصطحبه معه إلي الشرقية, حيث منزل العائلة الكبير, هناك كان التمزق يتسع بفعل التناقض الذي يعيشه الطفل بين الحياة الأوروبية مع والدته, والحياة الريفية الخالصة وسط عائلة أبيه, ورغم أن هذا التناقض أوجع الطفل رشدي أباظة, إلا أنه تحول بعد سنوات عديدة إلي مخزون ثري من العواطف والأحاسيس الرقيقة.
المعادلة الصعبة
لم يكن أمام الطفل الصغير سوي الاستمرار في الحياة وفقا لهذه الصيغة, وكان طبيعيا أن يبحث عن شيء يستوعب المعادلة الصعبة في حياته, هذا الشيء كان الرياضة, فقد ألقي الفتي بنفسه في أحضانها, وحينما بلغ الثانية عشرة كان مخزون الحزن والغضب في داخله يتوجه به دون أن يدري إلي أعنف الرياضات, الملاكمة ورفع الأثقال, وكمال الأجسام, بينما كان يتنقل بين الصالات والأندية الرياضية, جاءه نبأ زواج أبيه من امرأة صعيدية مطلقة ولها ابنة في نفس عمره, وصلت المأساة إلي مداها, وبات الفتي أسير إحساس قاتل بالوحدة, وبأنه شخص غير مرغوب فيه, سواء في عالم أمه الجديد أم في دنيا والده المختلفة, وفشلت الرياضة هذه المرة في امتصاص حزن الولد.
وجد رشدي نفسه ممزقا بين زوج الأم وزوجة الأب, ولأنه يعيش وحيدا فقد قرر ممارسة وحدته كاملة, واقترح علي والديه أن يلتحق بمدرسة داخلي فاستقر رأي الجميع علي مدرسة سان مارك إحدي أعرق المدارس في الإسكندرية, وهناك واصل رشدي اهتمامه بممارسة الرياضة, فأصبح رئيسا لفريق الكرة الطائرة, وممثل المدرسة في مسابقات كمال الأجسام, ورغم أنه لم يكن طالبا متفوقا إلا أن جسمه الرياضي تحول إلي حديث الطلبة في المدرسة, لكن الحزن لم يغادره, وسكن معه في عنبر نوم طلبة القسم الداخلي, فكان يقضي الليالي مستيقظا, يفكر في مصيره ومستقبله وإحساسه المرير بالغربة والوحدة, وفي أيام العطلات الأسبوعية كان يمزقه سؤال كل مرة: أين سيقضي الإجازة, عند أمه في القاهرة, أم في بيت أبيه الذي انتقل إلي دمنهور؟
تمرد الابن
ظل السؤال رفيقا لـ رشدي أباظة طوال سنوات دراسته الخمس في مدرسة سان مارك وحين بلغ التاسعة عشرة من عمره كان السؤال قد فاض وتخطي حدود التحمل, فقرر الفتي ترك الدراسة والالتحاق بأي عمل, كان التمرد والثورة علي كل شيء هما عنوان هذه المرحلة في حياته, وزادت حدة الثورة في داخله عندما علم أن والده رزق بطفلة من زوجته الثانية أسماها رجاء بينما أنجبت والدته طفلا آخر أسمته حامد غادر رشدي المدرسة مع عهد بعدم العودة, وتوجه مباشرة إلي مدينة بنها في القليوبية, حيث كان والده يعمل وقتها, وبعد أن طبع قبلة علي جبين أخته التي أطلقوا عليها بالونة أباظة نظرا لبدانتها الواضحة, عرض الفكرة علي والده, الذي انتفض ثائرا ورافضا مجرد مناقشة فكرة ترك الدراسة.
خرج رشدي من بيت والده محبطا ويائسا, وطوال الطريق كان يعتصر ألما, فهو مازال تائها وسط أمواج الحياة المتلاطمة, يمتلك الكثير ولا يمتلك شيئا في آن واحد, لديه عراقة أسرته ونفوذها, وفي ملامحه وسامة نادرة وجسد مفتول, وعلي لسانه عدة لغات أجنبية يتحدثها بطلاقة, لكن ما فائدة كل ذلك وهو عاجز عن إيجاد شخصية مستقلة له, أو حتي الحياة دون شعور الوحدة والغربة والضياع, وعندما وصل إلي بيت والدته في القاهرة كان هذا المزيج المثير والغريب قد أوشك علي الانفجار, لكن الأم وافقت علي الاقتراح بشرط موافقة الأب, فعاد الابن مرة ثانية وثالثة إلي والده الذي وافق علي مضض, حيث افتتح له محلا لبيع قطع غيار السيارات في وسط القاهرة, ولأن الفتي كان لايزال يتحسس طريقه, فقد فشل المشروع, وعاد صاحبه إلي العذاب والمعاناة.
بداية الضياع
شاب مثل رشدي أباظة ما كان ليهرب من واقعه إلا بما فعله, فقد وقع بين براثن الاكتئاب, فاختار النسيان بين علب الليل والسهرات الساخنة, ومنحته وسامته واللغات التي يجيدها شخصية ساحرة كانت تفتن النساء وتأسر قلوب الفتيات, فتحولت حياته إلي سلسلة من المغامرات والعلاقات العاطفية السريعة, كان يتنقل من ملهي إلي آخر, ومن امرأة إلي أخري, ولأن حياة الإثارة والمتعة لا تكتمل بدون شلة أصدقاء, فقد تعرف في هذه الفترة علي شابين جاء إلي القاهرة بحثا عن عمل في مجال الفن, الأول يدعي عادل أدهم, والثاني هو علي رضا, وربط الحلم والعذاب بين الثلاثة, يقضون نهارهم في النوادي الرياضية وحمامات السباحة, وساعات الليل بين الصالات والملاهي الساهرة.
ورغم أن عادل أدهم وعلي رضا كانا يبحثان وينقبان عن فرصة واحدة للنفاذ إلي شاشة السينما, إلا أن ذلك لم يجذب رشدي أباظة إلي عالم الفن, لكن القدر كان لديه مفاجأة للأصدقاء الثلاثة,, إذ جاءت الفرصة إلي رشدي دون أن يسعي إليها, ففي عمارة قديمة مواجهة لعمارة الموسيقار محمد عبدالوهاب الشهيرة بـ الجندول كان هناك ناد لرياضة البلياردو لا يرتاده إلا أبناء الطبقة الراقية, وكان يدير النادي أحد أبطال اللعبة البارزين وقتها ويدعي مصطفي دياب الشقيق الأكبر للمصور الصحفي حسن دياب الذي ظل لسنوات طويلة المصور الخاص للرئيس جمال عبدالناصر, في هذا النادي الريفيرا كان رشدي أباظة يمارس لعبة البلياردو بشغف, وفي إحدي الليالي كان يمسك بعصا البلياردو دون أن يدري أنها ستتحول بعد لحظات قليلة إلي عصا سحرية تقوده إلي عالم الشهرة والنجومية, فقد أخذته المفاجأة وهو يري يد رجل ذي هيبة يمسك بطرف العصا ويربت علي كتفه, نظر إليه رشدي مستغربا ما يحدث, وقبل أن يسأله عن سبب تصرفه, بادره الرجل بسؤال مباغت:
- اسمك إيه.. با ابني؟
فرد رشدي ساخرا:
ليه.. عندك عروسة؟!
فقال الرجل بتلقائية:
- لأ.. عندي لك فيلم!
أصابت المفاجأة لسان رشدي بالصمت, وحاول أن يرد, لكن الكلمات لم تسعفه, ابتسم له الرجل وطلب منه أن يفكر قبل أن يرد, لكن رشدي كان قد فكر في ثوان معدودة, وربما بحماسة واضحة:
- ما عنديش مانع.. لكن مين حضرتك؟
فرد الرجل:
- أنا كمال بركات مخرج سينمائي, وشايف فيك مؤهلات كثيرة تجعلك بطلا سينمائيا.
وانصرف الرجل بعد أن عرف اسم بطله الجديد, لكن رشدي أباظة لم ينصرف إلا بعد ساعتين كاملتين قضاهما شارد الذهن, وكأنه يفسر الحلم الذي رآه لتوه, وحين تمكن من الحركة, قادته قدماه سريعا إلي منزل والدته في الأوبرا وحكي لها ما حدث بينه وبين المخرج كمال بركات, فرحبت بالفكرة, وأكدت له أنه سينجح لوسامته وذكائه, لكنها حذرته من اعتراض والده نظرا لمركزه في الشرطة, واسم العائلة الأباظية, إذ كانت مهنة التمثيل وقتها من المهن غير الشريفة في نظر عامة الشعب.
ثورة الأب
قرر رشدي عدم إلقاء القنبلة علي والده في هذا التوقيت, وتفرغ تماما لحلمه الجديد, وتوالت زياراته إلي مكتب المخرج كمال بركات, في جلسات عمل طويلة, وكان طبيعيا أن يمهد المخرج لمولد نجمه الجديد بحملة أخبار وصور في الصحف, وبعد أيام قليلة كان الأميرلاي سعيد أباظة يجلس في غرفته في أثناء إجازة مرضية بعد أن أصيب بكسر في ساقه, إثر مطاردة لأحد الخارجين عن القانون, بينما كان يطالع الصحف اليومية توقف مذهولا أمام صورة ابنه رشدي في صفحة الفن مع خبر عن مولد نجم جديد.
لم تستمر ثورة الأب الصامتة كثيرا, فقد رن جرس الباب, ففتح الخادم فإذا برشدي أباظة يدلف إلي الشقة, ويتقدم الابن مقبلا يد والده, لكنه ينهره بشدة مع صرخة ارتعدت لها أوصال رشدي, قائلا: إيه المكتوب في الجرايد ده.. صحيح يا رشدي ناوي تشتغل ممثل؟
لم يكن أمام رشدي سوي إنهاء الموقف تماما, فأجاب بكلمة واحدة: نعم فنهض الأب واقفا في مشهد سينمائي مثير:
- أنت ناسي أنت ابن مين, وعائلتك مين؟ أنت لازم تنسي الحكاية دي, فرد الابن مرتعدا:
- لكن أنا مضيت عقد الفيلم خلاص, ولازم أكمل, فأجاب الأب بحزم ضابط الشرطة:
- أنت كمان بترد عليه, أمشي أخرج بره, مش عايز أشوفك تاني, وانسي إن لك أب وأخوات.
خرج رشدي أباظة من بيت والده ممزقا من جديد, وبعد أن كان تائها بين أمه وأبيه, أصبح حائرا بين الشهرة وعائلته وجذوره والدنيا كلها, وبدت خطواته المتثاقلة, وكأنها رحلة طويلة إلي المجهولومات رجدي بمستشفى العجوزة صباح يوم الأحد 27
يوليو 1980 و كانت كلماته الأخيرة: يارب..
من 3/8/1926 حتى 27/7/1980
400){ this.height = Math.round(((400)/this.width)*this.height); this.width = (400); }" border=0 name=img>من مواليد المنصورة من أب مصري و أم إيطالية . الوالد سعيد بغدادي أباظة الذي ينتمي إلى العائلة الاباظية العريقة و الأم السيدة تريزا لويجى. درس رشدي أباظة في مدرسة الخرنفش ثم التحق بمدرسة سان مارك بالإسكندرية القسم الداخلي حين انفصل الأبوين. كان يهوى الكرة الطائرة و كمال الأجسام. له من والده 3 شقيقات رجاء، منيرة ، زينب و شقيق واحد و هو فكرى أباظة الذي التحق بالفن و من والدته شقيق واحد حامد. في سن التاسعة عشرة قرر رشدي ترك الدراسة و اتجه إلى إنشاء محلا لقطع غيار السيارات و لكن المشروع فشل. كانت شلة أصدقائه تتكون في ذلك الوقت من عادل أدهم و على رضا الذين جاءا إلى القاهرة بحثا عن العمل في مجال الفن.
400){ this.height = Math.round(((400)/this.width)*this.height); this.width = (400); }" border=0 name=img>كان رشدي يهوى لعبة البليارد، و تصادف أثناء وجوه بنادي الريفيرا للبليارد أن رآه المخرج كمال بركات و عرض عليه العمل بفيلم المليونيرة الصغيرة مع النجوم فاتن حمامة و فؤاد شفيق و لولا صدقي. رفضت الأسرة الأباظية عمل ابنها بالتمثيل و طرده والده.
400){ this.height = Math.round(((400)/this.width)*this.height); this.width = (400); }" border=0 name=img>سقط فيلم المليونيرة الصغيرة فأحبط رشدي أباظة.. ثم تصادف وجوده في إحدى حفلات الجالية الإيطالية.. حيث تعرف على المخرج الإيطالي جو فريدو السندرينى الذي عرض على رشدي إسناد بطولة سينمائية. ووقع رشدي عقد فيلم أمينة.. مقابل أجر 500 جنيه و هو أجر يمثل ثلاثة أضعاف الأجر الذي تقاضاه رشدي في فيلمه الأول. ثم رشحه المخرج ولى الدين سامح لدور في فيلم "ذو الوجهين".
كانت أول زيجات رشدي أباظه المغنية الفرنسية أنى بربيه.. لم يستمر الزواج كثيرا و حدث الطلاق في هدوء تام.. فقد تعرض رشدي لضغط كبير حيث أن العروض كانت تتهافت على أنى بينما خفت نجمه و لم يطلبه أحد للعمل.
ثم تعرف رشدي على فلورنس رئيسة فرقة الباليه التي تعمل في الأوبرج، و نشأت بينهما قصة حب رغم فرق السن بينهما حيث كانت تكبره بعدة سنوات. و نشأت بينهما قصة حب.. ثم تقابل مع كامليا الفنانة الشهيرة التي سرعان ما خطفت قلبه.. و تنبهت فلورنس لذلك الغزو.. وحين عرض بطولة فيلم لرشدي مع كاميليا طلبت منه فلورنس الاعتذار.. و لكنه رفض و انتهت العلاقة لتبدأ أخرى مع كاميليا التي لم يمهلها القدر طويلا حيث ماتت في حادثة طائرة.
400){ this.height = Math.round(((400)/this.width)*this.height); this.width = (400); }" border=0 name=img>و ظهرت تحية كاريوكا لزيارته للتخفيف عنه من آثر ذلك الحادث الذي أودى بحياة كاميليا.. و بدأت قصة حب أخرى كانت أكثر عنفا و سرعان ما تم الزواج. ووقع رشدي في نزوة مع إحدى قريبات تحية و حينما تأكدت تحية من صحة هذه الخيانة تم الطلاق..
و كان القدر يحمل مفاجآت لرشدي حيث اختاره المخرج العالمي سيسيل دى ميل لأداء أحد الأدوار بفيلمه الوصايا العشرة..و تعرف رشدي على ابنة إحدى العاملات بوبى.. التي سرعان ما خفق لها قلبه و تم الزواج الذي أسفر عن ابنته الوحيدة قسمت.
حدث التباعد و ظهرت الهوة بين الزوجين حيث أن بوبى أدمنت لعبة البر يدج التي كانت تستغرق كل وقتها على حساب ابنتها و رشدي.. و حدث تباعد.. في تلك الأثناء كان رشدي يؤدى دور البطولة في فيلم الرجل الثاني أمام سامية حمال و صباح.. و بدأت قصة الحب الكبيرة بين رشدي و سامية و تم الزواج الذي استمر 18 عاما..
لم تكن تلك الفترة التي قضاها رشدي أباظة مع سامية جمال حلو من الشوائب، فكانت هناك قسمت و مشاكلها، بالإضافة إلى نزوات رشدي العاطفية التي لم تقف عند حد النزوة بل تجاوزتها حين تنامي خبر زواج رشدي بصباح .. تلك الزيجة التي لم تستمر طويلا.. تلتها نزوات بنجمات كبار في ذلك الوقت، بالإضافة إلى عادات الشرب التي دأب علها رشدي.. كل ذلك أدى إلى تراكم المشاكل الزوجية و حدث الطلاق بعد أن زوج رشدي أبنته قسمت.
400){ this.height = Math.round(((400)/this.width)*this.height); this.width = (400); }" border=0 name=img>فجأة .. فاجأنا رشدي أباظة بزيجة عقلانية جدا من إحدى قريباته من العائلة الأباظية السيدة نبيلة أباظة. و بدأت أعراض المرض تظهر على رشدي أباظة الذي أكد له الأطباء انه يعانى من السرطان و ستكون نهايته قريبة. و قرر رشدي أن يطلق زوجته السيدة نبيلة و برر ذلك لفكري أخيه فقال له: لقد عشت طوال حياتي حرا و أريد أن أموت حرا أيضا".
400){ this.height = Math.round(((400)/this.width)*this.height); this.width = (400); }" border=0 name=img>الصداقات عند رشدي أباظه كان لها أثر كبير في حياته، فقد جمعته صداقة و أخوة مع ابن عمه وجيه أباظه، الذي كان كاتما لأسراره،كذا النجم الكبير أحمد رمزي، كما جمعنه صداقة مع ليدي السينما المصرية نادية لطفي، كان رشدي يطلق عليها "الواد الشقى" بينما كانت تطلق هي عليه "الطفل المتهور". كانت الثقة بينهما كبيرة حتى أن نادية كانت تمثل الأخت المعتمدة لرشدي أباظة في العائلة الأباظية.الطريف أن رشدي أباظة و فريد شوقي و نادية لطفي قاموا بتأسيس شركة جديدة أطلقوا عليها "النجوم الثلاثة"لإنتاج فيلم يجمع بينهما و قاموا بتوقيع عقود الشركة التي بلغ رأسمالها 12 ألف جنيها مصريا. و مرت أيام و النجم الثلاثة يجتمعون و يسهرون و يقيمون الحفلات دون أن تقدم شركتهم فيلما واحدا. ثم اكتشفوا أن المتبقي من راس المال 6 آلاف جنيها فقط فاقتسموه و كانت نهاية الشركة.. ولكن ليست نهاية الصداقة.
و شــــــــــخـــصـــيـــات ســـــيـــــنـــــمـــــائـــــيـــــه:
الدنجوان(2):رشدي اباظة
رشدي أباظة متمردا.. وعاشقا
طفولة حزينة.. وشباب في حضن الليل!
حطمه التناقض بين حياة أمه.. وتقاليد الأباظية
فشل في الدراسة والتجارة.. فهرب إلي السهرات الحمراء
سنوات الضياع جمعته بـ عادل أدهم وعلي رضا
أول يد حملت رشدي أباظة كانت يد والده الضابط الوسيم سعيد وأول كلمة نطقها الطفل الصغير كانت كلمة إيطالية حين كان يعيش وسط عائلة أمه في المنصورة, وبين الأب الأباظي والأم الإيطالية عاش رشدي تمزقا عنيفا رسم تفاصيل حياته بعد ذلك.
لأن حبهما كان عنيفا, فقد جاء انفصالهما قاسيا, ورغم محاولات الزوج سعيد أباظة إعادة الحياة للعلاقة الزوجية مع ليلي, لاسيما بعد مولد ابنهما رشدي إلا أن رفض الجميع لهذا الارتباط كان أقوي من بقايا الحب في قلب الزوجين العاشقين, وبات علي الطفل الجميل أن يظل يدفع الثمن طوال حياته.
أصبح اسمه رشدي أباظة. طفل جميل ووسيم ينام في حضن أمه الإيطالية الحسناء, يوم5 أغسطس1926 حضر والده للاطمئنان عليهما, ومحاولة إقناع ليلي بالعودة إلي حياتهما الزوجية من أجل ابنهما, لكن الفتاة الإيطالية رفضت بشدة, لأنها تدرك مدي صلابة حماتها ورفضها لهذا الارتباط, ويبدو أن مخاوف الزوجة كانت في محلها, فبعد الولادة بأيام قليلة خاضت جدة رشدي زينب أباظة حربا عنيفة لإقناع الأب بضرورة تربية ابنه وسط عائلته الأباظية العريقة, وحين رفض سعيد أصدرت فرمانا نهائيا بخطف الطفل من أمه في المنصورة, لكن كبار رجال العائلة تمكنوا من إقناعها بقسوة هذا التصرف, ونصحوها بترك رشدي في أحضان أمه, لاسيما في سنوات طفولته الأولي.
كان الأب يتردد علي منزل عائلة زوجته السابقة للاطمئنان علي ابنه, لكن بعد عامين تمت ترقية الضابط سعيد أباظة إلي رتبة يوزباشي ونقله إلي مدينة سوهاج, سافر الأب وترك ابنه في رعاية الأم, فعاش رشدي سنوات عمره الخمس الأولي وسط الجالية الإيطالية في المنصورة, وهو ما انعكس بوضوح علي شخصيته, حيث طغي علي حياته الطابع الأوروبي, حتي إن عيد الكريسماس كان أهم مناسبة بالنسبة له, رغم أنه مصري مسلم.
غير أن حياة الطفل الصغير لم تستمر هكذا, فعلي الرغم من ابتعاده عن أبيه, إلا أن هذا الحرمان كان مجرد بداية لرحلة طويلة من المعاناة والتمزق والضياع, فقد تزوجت الأم من رجل يعمل في القاهرة, فانتقلت للحياة معه في شقة في ميدان الأوبرا, وألحقت رشدي بمدرسة الخرنفش الابتدائية, وفي المدرسة عرف الطفل أن لكل زميل أبا وأما يعيشان معا, وتدريجيا بدأ يشعر أن في داخله جرحا صغيرا, يداريه عن عيون الناس, لكنه يكبر ويتسع, كان يبحث عن والده فيعرف أنه دائم التنقل بين المدن والمحافظات بحكم عمله, بينما كان الأب يعتقد أن زياراته الطويلة لابنه تضمد الجرح الدامي في داخله, كان رشدي وحده يعلم الحقيقة, فقد كان الأب شديد الحرص علي قضاء إجازاته بالكامل مع ابنه الصغير, فحين يصل إلي القاهرة يصطحبه معه إلي الشرقية, حيث منزل العائلة الكبير, هناك كان التمزق يتسع بفعل التناقض الذي يعيشه الطفل بين الحياة الأوروبية مع والدته, والحياة الريفية الخالصة وسط عائلة أبيه, ورغم أن هذا التناقض أوجع الطفل رشدي أباظة, إلا أنه تحول بعد سنوات عديدة إلي مخزون ثري من العواطف والأحاسيس الرقيقة.
المعادلة الصعبة
لم يكن أمام الطفل الصغير سوي الاستمرار في الحياة وفقا لهذه الصيغة, وكان طبيعيا أن يبحث عن شيء يستوعب المعادلة الصعبة في حياته, هذا الشيء كان الرياضة, فقد ألقي الفتي بنفسه في أحضانها, وحينما بلغ الثانية عشرة كان مخزون الحزن والغضب في داخله يتوجه به دون أن يدري إلي أعنف الرياضات, الملاكمة ورفع الأثقال, وكمال الأجسام, بينما كان يتنقل بين الصالات والأندية الرياضية, جاءه نبأ زواج أبيه من امرأة صعيدية مطلقة ولها ابنة في نفس عمره, وصلت المأساة إلي مداها, وبات الفتي أسير إحساس قاتل بالوحدة, وبأنه شخص غير مرغوب فيه, سواء في عالم أمه الجديد أم في دنيا والده المختلفة, وفشلت الرياضة هذه المرة في امتصاص حزن الولد.
وجد رشدي نفسه ممزقا بين زوج الأم وزوجة الأب, ولأنه يعيش وحيدا فقد قرر ممارسة وحدته كاملة, واقترح علي والديه أن يلتحق بمدرسة داخلي فاستقر رأي الجميع علي مدرسة سان مارك إحدي أعرق المدارس في الإسكندرية, وهناك واصل رشدي اهتمامه بممارسة الرياضة, فأصبح رئيسا لفريق الكرة الطائرة, وممثل المدرسة في مسابقات كمال الأجسام, ورغم أنه لم يكن طالبا متفوقا إلا أن جسمه الرياضي تحول إلي حديث الطلبة في المدرسة, لكن الحزن لم يغادره, وسكن معه في عنبر نوم طلبة القسم الداخلي, فكان يقضي الليالي مستيقظا, يفكر في مصيره ومستقبله وإحساسه المرير بالغربة والوحدة, وفي أيام العطلات الأسبوعية كان يمزقه سؤال كل مرة: أين سيقضي الإجازة, عند أمه في القاهرة, أم في بيت أبيه الذي انتقل إلي دمنهور؟
تمرد الابن
ظل السؤال رفيقا لـ رشدي أباظة طوال سنوات دراسته الخمس في مدرسة سان مارك وحين بلغ التاسعة عشرة من عمره كان السؤال قد فاض وتخطي حدود التحمل, فقرر الفتي ترك الدراسة والالتحاق بأي عمل, كان التمرد والثورة علي كل شيء هما عنوان هذه المرحلة في حياته, وزادت حدة الثورة في داخله عندما علم أن والده رزق بطفلة من زوجته الثانية أسماها رجاء بينما أنجبت والدته طفلا آخر أسمته حامد غادر رشدي المدرسة مع عهد بعدم العودة, وتوجه مباشرة إلي مدينة بنها في القليوبية, حيث كان والده يعمل وقتها, وبعد أن طبع قبلة علي جبين أخته التي أطلقوا عليها بالونة أباظة نظرا لبدانتها الواضحة, عرض الفكرة علي والده, الذي انتفض ثائرا ورافضا مجرد مناقشة فكرة ترك الدراسة.
خرج رشدي من بيت والده محبطا ويائسا, وطوال الطريق كان يعتصر ألما, فهو مازال تائها وسط أمواج الحياة المتلاطمة, يمتلك الكثير ولا يمتلك شيئا في آن واحد, لديه عراقة أسرته ونفوذها, وفي ملامحه وسامة نادرة وجسد مفتول, وعلي لسانه عدة لغات أجنبية يتحدثها بطلاقة, لكن ما فائدة كل ذلك وهو عاجز عن إيجاد شخصية مستقلة له, أو حتي الحياة دون شعور الوحدة والغربة والضياع, وعندما وصل إلي بيت والدته في القاهرة كان هذا المزيج المثير والغريب قد أوشك علي الانفجار, لكن الأم وافقت علي الاقتراح بشرط موافقة الأب, فعاد الابن مرة ثانية وثالثة إلي والده الذي وافق علي مضض, حيث افتتح له محلا لبيع قطع غيار السيارات في وسط القاهرة, ولأن الفتي كان لايزال يتحسس طريقه, فقد فشل المشروع, وعاد صاحبه إلي العذاب والمعاناة.
بداية الضياع
شاب مثل رشدي أباظة ما كان ليهرب من واقعه إلا بما فعله, فقد وقع بين براثن الاكتئاب, فاختار النسيان بين علب الليل والسهرات الساخنة, ومنحته وسامته واللغات التي يجيدها شخصية ساحرة كانت تفتن النساء وتأسر قلوب الفتيات, فتحولت حياته إلي سلسلة من المغامرات والعلاقات العاطفية السريعة, كان يتنقل من ملهي إلي آخر, ومن امرأة إلي أخري, ولأن حياة الإثارة والمتعة لا تكتمل بدون شلة أصدقاء, فقد تعرف في هذه الفترة علي شابين جاء إلي القاهرة بحثا عن عمل في مجال الفن, الأول يدعي عادل أدهم, والثاني هو علي رضا, وربط الحلم والعذاب بين الثلاثة, يقضون نهارهم في النوادي الرياضية وحمامات السباحة, وساعات الليل بين الصالات والملاهي الساهرة.
ورغم أن عادل أدهم وعلي رضا كانا يبحثان وينقبان عن فرصة واحدة للنفاذ إلي شاشة السينما, إلا أن ذلك لم يجذب رشدي أباظة إلي عالم الفن, لكن القدر كان لديه مفاجأة للأصدقاء الثلاثة,, إذ جاءت الفرصة إلي رشدي دون أن يسعي إليها, ففي عمارة قديمة مواجهة لعمارة الموسيقار محمد عبدالوهاب الشهيرة بـ الجندول كان هناك ناد لرياضة البلياردو لا يرتاده إلا أبناء الطبقة الراقية, وكان يدير النادي أحد أبطال اللعبة البارزين وقتها ويدعي مصطفي دياب الشقيق الأكبر للمصور الصحفي حسن دياب الذي ظل لسنوات طويلة المصور الخاص للرئيس جمال عبدالناصر, في هذا النادي الريفيرا كان رشدي أباظة يمارس لعبة البلياردو بشغف, وفي إحدي الليالي كان يمسك بعصا البلياردو دون أن يدري أنها ستتحول بعد لحظات قليلة إلي عصا سحرية تقوده إلي عالم الشهرة والنجومية, فقد أخذته المفاجأة وهو يري يد رجل ذي هيبة يمسك بطرف العصا ويربت علي كتفه, نظر إليه رشدي مستغربا ما يحدث, وقبل أن يسأله عن سبب تصرفه, بادره الرجل بسؤال مباغت:
- اسمك إيه.. با ابني؟
فرد رشدي ساخرا:
ليه.. عندك عروسة؟!
فقال الرجل بتلقائية:
- لأ.. عندي لك فيلم!
أصابت المفاجأة لسان رشدي بالصمت, وحاول أن يرد, لكن الكلمات لم تسعفه, ابتسم له الرجل وطلب منه أن يفكر قبل أن يرد, لكن رشدي كان قد فكر في ثوان معدودة, وربما بحماسة واضحة:
- ما عنديش مانع.. لكن مين حضرتك؟
فرد الرجل:
- أنا كمال بركات مخرج سينمائي, وشايف فيك مؤهلات كثيرة تجعلك بطلا سينمائيا.
وانصرف الرجل بعد أن عرف اسم بطله الجديد, لكن رشدي أباظة لم ينصرف إلا بعد ساعتين كاملتين قضاهما شارد الذهن, وكأنه يفسر الحلم الذي رآه لتوه, وحين تمكن من الحركة, قادته قدماه سريعا إلي منزل والدته في الأوبرا وحكي لها ما حدث بينه وبين المخرج كمال بركات, فرحبت بالفكرة, وأكدت له أنه سينجح لوسامته وذكائه, لكنها حذرته من اعتراض والده نظرا لمركزه في الشرطة, واسم العائلة الأباظية, إذ كانت مهنة التمثيل وقتها من المهن غير الشريفة في نظر عامة الشعب.
ثورة الأب
قرر رشدي عدم إلقاء القنبلة علي والده في هذا التوقيت, وتفرغ تماما لحلمه الجديد, وتوالت زياراته إلي مكتب المخرج كمال بركات, في جلسات عمل طويلة, وكان طبيعيا أن يمهد المخرج لمولد نجمه الجديد بحملة أخبار وصور في الصحف, وبعد أيام قليلة كان الأميرلاي سعيد أباظة يجلس في غرفته في أثناء إجازة مرضية بعد أن أصيب بكسر في ساقه, إثر مطاردة لأحد الخارجين عن القانون, بينما كان يطالع الصحف اليومية توقف مذهولا أمام صورة ابنه رشدي في صفحة الفن مع خبر عن مولد نجم جديد.
لم تستمر ثورة الأب الصامتة كثيرا, فقد رن جرس الباب, ففتح الخادم فإذا برشدي أباظة يدلف إلي الشقة, ويتقدم الابن مقبلا يد والده, لكنه ينهره بشدة مع صرخة ارتعدت لها أوصال رشدي, قائلا: إيه المكتوب في الجرايد ده.. صحيح يا رشدي ناوي تشتغل ممثل؟
لم يكن أمام رشدي سوي إنهاء الموقف تماما, فأجاب بكلمة واحدة: نعم فنهض الأب واقفا في مشهد سينمائي مثير:
- أنت ناسي أنت ابن مين, وعائلتك مين؟ أنت لازم تنسي الحكاية دي, فرد الابن مرتعدا:
- لكن أنا مضيت عقد الفيلم خلاص, ولازم أكمل, فأجاب الأب بحزم ضابط الشرطة:
- أنت كمان بترد عليه, أمشي أخرج بره, مش عايز أشوفك تاني, وانسي إن لك أب وأخوات.
خرج رشدي أباظة من بيت والده ممزقا من جديد, وبعد أن كان تائها بين أمه وأبيه, أصبح حائرا بين الشهرة وعائلته وجذوره والدنيا كلها, وبدت خطواته المتثاقلة, وكأنها رحلة طويلة إلي المجهولومات رجدي بمستشفى العجوزة صباح يوم الأحد 27
يوليو 1980 و كانت كلماته الأخيرة: يارب..
