. الصداقة...
ثم قال له شاب: هات حدثنا عن الصداقة.
فأجاب و قال:
إن صديقك هو كفاية حاجاتك.
هو حقك الذي تزرعه بالمحبة و تحصده بالشكر.
هو مائدتك و موقدك.
لأنك تأتي إليه جائعا, وتسعى وراءه مستدفئا.
***
فإذا أوضح لك صديقك فكره فلا تخش أن تصرح بما في فكرك من النفي, أو أن تحتفظ بما في ذهنك من الإيجاب.
وإذا صمت صديقك ولم يتكلم, فلا ينقطع قلبك عن الإصغاء إلى صوت قلبه;
لأن
الصداقة لا تحتاج إلى الألفاظ والعبارات في إنماء جميع الأفكار والرغبات
والتمنيات التي يشترك الأصدقاء بفرح عظيم في قطف ثمارها اليانعات.
وإن فارقت صديقك فلا تحزن على فراقه;
لأن ما تتعشقه فيه, أكثر من كل شيء سواه, قد يكون في حين غيابه أوضح في عيني محبتك منه في حين حضوره.
لأن الجبل يبدو لمن ينظر إليه من السهل أكثر وضوحا مما يظهر لمن يتسلقه.
ولا يكن لكم في الصداقة من غاية ترجونها غير أن تزيدوا في عمق نفوسكم.
لأن المحبة, التي لا رجاء لها سوى كشف الغطاء عن أسرارها ليست محبة بل هي شبكة تلقى في بحر الحياة ولا تمسك غير النافع.
وليكن أفضل ما عندك لصديقك.
فإن كان يجدر به أن يعرف جزر حياتك.
فالأجدر بك أيضاً أن تظهر له مدها.
وما قيمة صديقك الذي لا تطلبه إلا لتقضي معه ما تريد أن تقتله من وقتك؟ فاسع بالأحرى إلى الصديق الذي يحيي أيامك ولياليك,
لأن له وحده قد أعطي أن يكمل حاجاتك, لا لفراغك ويبوستك.
وليكن ملاك الأفراح واللذات المتبادلة مرفرفاً فوق حلاوة الصداقة.
لأن القلب يجد صباحه في الندى العالق بالأشياء الصغيرة, فينتعش ويستعيد قوته.
2. المحبة...
حينئذٍ قالت المطرة: حدثنا عن المحبة.
فقال:
إذا المحبة أومت إليكم فاتبعوها,
وإن كانت مسالكها صعبة متحدرة.
إذا ضمتكم بجناحيها فأطيعوها,
وإن جرحكم السييف المستور بين ريشها.
إذا المحبة خاطبتكم فصدقوها,
وإن عطل صوتها أحلامكم وبددها كما تجعل الريح الشمالية البستان قاعاً صفصفاً.
***
لأنه كما أن المحبة تكللكم, فهي أيضا تصلبكم.
وكما تعمل على نموكم, هكذا تعلمكم وتستأصل الفاسد منكم.
وكما ترتفع إلى أعلى شجرة حياتكم فتعانق أغصانها اللطيفة المرتعشة أمام وجه الشمس,
هكذا تنحدر إلى جذورها الملتصقة بالتراب وتهزها في سكينة الليل.
***
المحبة تضمكم إلى قلبها كأغمار حنطة.
المحبة على بيادرها تدرسكم لتظهر عريكم.
المحبة تغربلكم لتحرركم من قشوركم.
المحبة تطحنكم فتجعلكم كالثلج أنقياء.
المحبة تعجنكم بدموعها حتى تلينوا,
ثم تعدكم لنارها المقدسة, لكي تصيروا خبزاً مقدساً يقرّب على مائدة الرب المقدسة.
كل هذا تصنعه بكم لكي تدركوا أسرار قلوبكم, فتصبحوا بهذا الإدراك جزءاً من قلب الحياة.
غير أنكم إذا خفتم, وقصرتم سعيكم على الطمأنينة واللذة في المحبة.
فالأجدر
بكم أن تستروا عريكم وتخرجوا من بيدر المحبة إلى العالم البعيد حيثما
تضحكون, ولكن ليس كل ضحككم; وتبكون, ولكن ليس كل ما في ما فيكم من الدموع.
المحبة لا تعطي إلا ذاتها, المحبة لا تأخذ إلا من ذاتها.
لا تملك المحبة شيئاً, ولا تريد أن أحد يملكها.
لأن المحبة مكتفية بالمحبة.
***
أما أنت إذا أحببت فلا تقل: "أن الله في قلبي", بل قل بالأحرى: "أنا في قلب الله".
ولا يخطر لك البتة أنك تستطيع أن تتسلط على مسالك المحبة, لأن المحبة إن رأت فيك استحقاقاً لنعمتها, تتسلط هي على مسالكك.
والمحبة لا رغبة لها إلا في أن تكمل نفسها.
ولكن, إذا أحببت, وكان لا بد من أن تكون لك رغبات خاصة بك, فلتكن هذه رغباتك:
أن تذوب وتكون كجدول متدفق يشنف آذان الليل بأنغامه.
أن تخبر الآلام التي في العطف المتناهي.
أن يجرحك إدراكك الحقيقي للمحبة في حبة قلبك, وأن تنزف دماؤك وأنت راض مغتبط.
أن تنهض عند الفجر بقلب مجنح خفوق, فتؤدي واجب الشكر ملتمساً يوم محبة آخر.
أن تستريح عند الظهيرة وتناخي نفسك بوجد المحبة.
أن تعود إلى منزلك عند المساء شاكراً:
فتنام حينئذ والصلاة لأجل من أحببت تتردد في قلبك, وأنشودة الحمد والثناء مرتمسة على شفتيك.
3. الزواج...
وقالت المطرة ثانية: حدثنا عن الزواج؟
فقال:
ولدتما معاً, وتظلان معاً.
حتى في سكون تذكارات الله.
ومعاً حين تبددكما أجنحة الموت البيضاء.
ولكن, فليكن بين وجودكم معاً فسحات تفصلكم بعضكم عن بعض, حتى ترقص أرياح السموات بينكم.
أحبوا بعضكم بعضاً; ولكن, لا تقيدوا المحبة بالقيود, بل لتكن المحبة بحراً متموجاً بين شواطئ نفوسكم.
ليملأ كل واحد منكم كأس رفيقه; ولكن, لا تشربوا من كأس واحدة.
أعطوا من خبزكم كأس رفيقه; ولكن, لا تأكلوا من الرغيف الواحد.
غنوا
وارقصوا معاً, وكونوا فرحين أبداً; ولكن, فليكن كل منكم وحده, كما أن
أوتار القيثارة يقوم كل واحد منها وحده ولكنها جميعاً تخرج نغماً واحداً.
***
ليعط كل منكم قلبه لرفيقه; ولكن, حذار أن يكون هذا العطاء لأجل الحفظ, لأن الحياة وحدها تسطتيع أن تحتفظ بقلوبكم.
قفوا
معاً; ولكن, لا يقرب أحدكم من الآخر كثيراً, لأن عمودي الهيكل يقفان
منفصلين, والسنديانة والسروة لا تنمو الواحدة منهما في ظل رفيقتها.
4. الأولاد...
ثم دنت منه امرأة تحمل طفلها على ذراعيها وقالت له: هات حدثنا عن الأولاد.
فقال:
أولادكم ليسوا لكم
أولادكم أبناء الحياة المشتاقة إلى نفسها, بكم يأتون إلى العالم, ولكن ليس منكم.
ومع أنهم يعيشون معكم, فهم ليسوا ملكاً لكم.
أنتم تستطيعون أن تمنحوهم محبتكم, ولكنكم لا تقدرون أن تغرسوا فيهم بذور أفكاركم, لأن لهم أفكارأً خاصةً بهم.
وفي طاقتكم أن تصنعوا المساكن لأجسادكم.
ولكن نفوسهم لا تقطن في مساكنكم.
فهي تقطن في مسكن الغد, الذي لا تستطيعون أن تزوروه حتى ولا في أحلامكم.
وإن لكم أن تجاهدوا لكي تصيروا مثلهم.
ولكنكم عبثاً تحاولون أن تجعلوهم مثلكم.
لأن الحياة لا ترجع إلى الوراء, ولا تلذ لها الإقامة في منزل الأمس.
أنتم الأقواس وأولادكم سهام حية قد رمت بها الحياة عن أقواسكم.
فإن رامي السهام ينظر العلامة المنصوبة على طريق اللانهاية, فيلويكم بقدرته لكي تكون سهامه سريعة بعيدة المدى.
لذلك, فليكن التواؤكم بين يدي رامي السهام الحكيم لأجل المسرة والغبطة.
لأنه, كما يحب السهم الذي يطير من قوسه, هكذا يحب القوس الذي يثبت بين يديه.
ثم قال له شاب: هات حدثنا عن الصداقة.
فأجاب و قال:
إن صديقك هو كفاية حاجاتك.
هو حقك الذي تزرعه بالمحبة و تحصده بالشكر.
هو مائدتك و موقدك.
لأنك تأتي إليه جائعا, وتسعى وراءه مستدفئا.
***
فإذا أوضح لك صديقك فكره فلا تخش أن تصرح بما في فكرك من النفي, أو أن تحتفظ بما في ذهنك من الإيجاب.
وإذا صمت صديقك ولم يتكلم, فلا ينقطع قلبك عن الإصغاء إلى صوت قلبه;
لأن
الصداقة لا تحتاج إلى الألفاظ والعبارات في إنماء جميع الأفكار والرغبات
والتمنيات التي يشترك الأصدقاء بفرح عظيم في قطف ثمارها اليانعات.
وإن فارقت صديقك فلا تحزن على فراقه;
لأن ما تتعشقه فيه, أكثر من كل شيء سواه, قد يكون في حين غيابه أوضح في عيني محبتك منه في حين حضوره.
لأن الجبل يبدو لمن ينظر إليه من السهل أكثر وضوحا مما يظهر لمن يتسلقه.
ولا يكن لكم في الصداقة من غاية ترجونها غير أن تزيدوا في عمق نفوسكم.
لأن المحبة, التي لا رجاء لها سوى كشف الغطاء عن أسرارها ليست محبة بل هي شبكة تلقى في بحر الحياة ولا تمسك غير النافع.
وليكن أفضل ما عندك لصديقك.
فإن كان يجدر به أن يعرف جزر حياتك.
فالأجدر بك أيضاً أن تظهر له مدها.
وما قيمة صديقك الذي لا تطلبه إلا لتقضي معه ما تريد أن تقتله من وقتك؟ فاسع بالأحرى إلى الصديق الذي يحيي أيامك ولياليك,
لأن له وحده قد أعطي أن يكمل حاجاتك, لا لفراغك ويبوستك.
وليكن ملاك الأفراح واللذات المتبادلة مرفرفاً فوق حلاوة الصداقة.
لأن القلب يجد صباحه في الندى العالق بالأشياء الصغيرة, فينتعش ويستعيد قوته.
2. المحبة...
حينئذٍ قالت المطرة: حدثنا عن المحبة.
فقال:
إذا المحبة أومت إليكم فاتبعوها,
وإن كانت مسالكها صعبة متحدرة.
إذا ضمتكم بجناحيها فأطيعوها,
وإن جرحكم السييف المستور بين ريشها.
إذا المحبة خاطبتكم فصدقوها,
وإن عطل صوتها أحلامكم وبددها كما تجعل الريح الشمالية البستان قاعاً صفصفاً.
***
لأنه كما أن المحبة تكللكم, فهي أيضا تصلبكم.
وكما تعمل على نموكم, هكذا تعلمكم وتستأصل الفاسد منكم.
وكما ترتفع إلى أعلى شجرة حياتكم فتعانق أغصانها اللطيفة المرتعشة أمام وجه الشمس,
هكذا تنحدر إلى جذورها الملتصقة بالتراب وتهزها في سكينة الليل.
***
المحبة تضمكم إلى قلبها كأغمار حنطة.
المحبة على بيادرها تدرسكم لتظهر عريكم.
المحبة تغربلكم لتحرركم من قشوركم.
المحبة تطحنكم فتجعلكم كالثلج أنقياء.
المحبة تعجنكم بدموعها حتى تلينوا,
ثم تعدكم لنارها المقدسة, لكي تصيروا خبزاً مقدساً يقرّب على مائدة الرب المقدسة.
كل هذا تصنعه بكم لكي تدركوا أسرار قلوبكم, فتصبحوا بهذا الإدراك جزءاً من قلب الحياة.
غير أنكم إذا خفتم, وقصرتم سعيكم على الطمأنينة واللذة في المحبة.
فالأجدر
بكم أن تستروا عريكم وتخرجوا من بيدر المحبة إلى العالم البعيد حيثما
تضحكون, ولكن ليس كل ضحككم; وتبكون, ولكن ليس كل ما في ما فيكم من الدموع.
المحبة لا تعطي إلا ذاتها, المحبة لا تأخذ إلا من ذاتها.
لا تملك المحبة شيئاً, ولا تريد أن أحد يملكها.
لأن المحبة مكتفية بالمحبة.
***
أما أنت إذا أحببت فلا تقل: "أن الله في قلبي", بل قل بالأحرى: "أنا في قلب الله".
ولا يخطر لك البتة أنك تستطيع أن تتسلط على مسالك المحبة, لأن المحبة إن رأت فيك استحقاقاً لنعمتها, تتسلط هي على مسالكك.
والمحبة لا رغبة لها إلا في أن تكمل نفسها.
ولكن, إذا أحببت, وكان لا بد من أن تكون لك رغبات خاصة بك, فلتكن هذه رغباتك:
أن تذوب وتكون كجدول متدفق يشنف آذان الليل بأنغامه.
أن تخبر الآلام التي في العطف المتناهي.
أن يجرحك إدراكك الحقيقي للمحبة في حبة قلبك, وأن تنزف دماؤك وأنت راض مغتبط.
أن تنهض عند الفجر بقلب مجنح خفوق, فتؤدي واجب الشكر ملتمساً يوم محبة آخر.
أن تستريح عند الظهيرة وتناخي نفسك بوجد المحبة.
أن تعود إلى منزلك عند المساء شاكراً:
فتنام حينئذ والصلاة لأجل من أحببت تتردد في قلبك, وأنشودة الحمد والثناء مرتمسة على شفتيك.
3. الزواج...
وقالت المطرة ثانية: حدثنا عن الزواج؟
فقال:
ولدتما معاً, وتظلان معاً.
حتى في سكون تذكارات الله.
ومعاً حين تبددكما أجنحة الموت البيضاء.
ولكن, فليكن بين وجودكم معاً فسحات تفصلكم بعضكم عن بعض, حتى ترقص أرياح السموات بينكم.
أحبوا بعضكم بعضاً; ولكن, لا تقيدوا المحبة بالقيود, بل لتكن المحبة بحراً متموجاً بين شواطئ نفوسكم.
ليملأ كل واحد منكم كأس رفيقه; ولكن, لا تشربوا من كأس واحدة.
أعطوا من خبزكم كأس رفيقه; ولكن, لا تأكلوا من الرغيف الواحد.
غنوا
وارقصوا معاً, وكونوا فرحين أبداً; ولكن, فليكن كل منكم وحده, كما أن
أوتار القيثارة يقوم كل واحد منها وحده ولكنها جميعاً تخرج نغماً واحداً.
***
ليعط كل منكم قلبه لرفيقه; ولكن, حذار أن يكون هذا العطاء لأجل الحفظ, لأن الحياة وحدها تسطتيع أن تحتفظ بقلوبكم.
قفوا
معاً; ولكن, لا يقرب أحدكم من الآخر كثيراً, لأن عمودي الهيكل يقفان
منفصلين, والسنديانة والسروة لا تنمو الواحدة منهما في ظل رفيقتها.
4. الأولاد...
ثم دنت منه امرأة تحمل طفلها على ذراعيها وقالت له: هات حدثنا عن الأولاد.
فقال:
أولادكم ليسوا لكم
أولادكم أبناء الحياة المشتاقة إلى نفسها, بكم يأتون إلى العالم, ولكن ليس منكم.
ومع أنهم يعيشون معكم, فهم ليسوا ملكاً لكم.
أنتم تستطيعون أن تمنحوهم محبتكم, ولكنكم لا تقدرون أن تغرسوا فيهم بذور أفكاركم, لأن لهم أفكارأً خاصةً بهم.
وفي طاقتكم أن تصنعوا المساكن لأجسادكم.
ولكن نفوسهم لا تقطن في مساكنكم.
فهي تقطن في مسكن الغد, الذي لا تستطيعون أن تزوروه حتى ولا في أحلامكم.
وإن لكم أن تجاهدوا لكي تصيروا مثلهم.
ولكنكم عبثاً تحاولون أن تجعلوهم مثلكم.
لأن الحياة لا ترجع إلى الوراء, ولا تلذ لها الإقامة في منزل الأمس.
أنتم الأقواس وأولادكم سهام حية قد رمت بها الحياة عن أقواسكم.
فإن رامي السهام ينظر العلامة المنصوبة على طريق اللانهاية, فيلويكم بقدرته لكي تكون سهامه سريعة بعيدة المدى.
لذلك, فليكن التواؤكم بين يدي رامي السهام الحكيم لأجل المسرة والغبطة.
لأنه, كما يحب السهم الذي يطير من قوسه, هكذا يحب القوس الذي يثبت بين يديه.