من خلفِ الجُدرانِ تسربَ عِطرُهُ الخفي يستَرِقُ السمعَ لمشاعِرها المُنهكة.. كانت تفيضُ بآلامها المسكونة إبان السنواتِ المنصرمة..
رآها متكورةً على نفسها في زاويةٍ باردة. تبكي وجعاُ لا يريد مفارقتها أبداً.
رَفَعَتْ رأسها تجاهه محاولةً التوقف عَن البُكاء لتستطيعَ رؤيته. دنى منها بهدوءٍ شديد وعيناه مصوبتانِ لعينيها. جلسَ القرفصاء َوبلطفٍ كبير بدأ يمسحُ دموعها..
سألها بصوتٍ رقيق عن اسمها.
بقيتْ صامتة لدقائق ولمْ تُجِبْ عن سؤاله.
فجأة أدارتْ برأسها بعيداُ عن عيونه ثمَّ وضعتْ يداها على شعرها تُسرحه بلطف:
- ورده.
علتْ الابتسامة وجهه:
- وأنا ربيعْ..
أخذ ربيع يركز على بعض الأشياء من حوله. عمله كصحفي يتطلب المصداقية ونقل الحدث بصورة واضحة للناس.
راح يلتقط الصور لبعض التفاصيل الموجودة في المكان. نافذة محطمة وقطع قطنية متناثرة. بعض علب الطعام الفارغة على الأرض ووسادة صغيرة متسخة. ظل يُصور صوراُ متفرقة للمكان حتى وصلت عدسته وجه وردة.
نظرتْ وردة لربيع بطريقة أثارتْ الكثير من المشاعر الغريبة في قلبهْ.
تساءل في أعماقه كيفَ يتجاهلُ هذا الجمال الذي لم يرى مثيله من قبلْ. أيتجاهلُ ذلكَ الجسد النحيل المُغلف بفُستانٍ خمري اللون. وعيناها اللتان تحملان زُرقة البحر وصفاء الغيومْ. وشعرها الذي يحمِلُ لونَ الشمسِ وضوءه ونعومة الحرير.
بدأتْ يداه ترتجفان وعيونه معلقة في عيونها لكن من خلف العدسة.
فجأة نطقت وردة بصوتٍ أقرب إلى الهمس:
- أرجوك. لا تصور..
علت الدهشة وجه ربيع. لم يكن يتصور ردة فعلها.
نهضت وردة من مكانها ثم استدارت تجاه النافذة وبصوتٍ قوي:
- لا أريد المزيد من الكذب.
بدت ملامح ربيع مشدودة كمن صفعه بقوة على وجهه. وضع آلة التصوير أرضاً ثم راح يُكلمها بهدوء:
- آنستي العزيزة وردة. لستُ ممن يقومون بهذا العمل لأغراضٍ شخصية.
لم يلاحظ انحناءة وردة وهي تلتقط صندوقاً صغيراً من على الأرض. فتحته ثم راحت تقرأ الرسالة التي بداخله وبصوتٍ عال:
خلف المروج هناكَ نهرٌ
خلف النهر جسرُ صغير
خلف الجسر هناك شجرة
خلف الشجرة بيتُ جميل
داخل البيت لوحة مطرزة
خيوطها من الصوف
تحت اللوحة هناكَ مدفأة
وبجانب المدفأة هناك شباك
خلف الشباكِ هناك امرأة
بجانبها رجلٌ يحمِلُ طفلة
خلفهم غاباتُ مِنَ الورود
فجأة صمتت وردة والدموع بدأت تنهمر بغزارة.
لم يفهم ربيع بُكائها والرسالة التي قرأت كانت غريبة وغير واضحة.
نظر إليها بتمَعُنْ ثمَ تركَ آلة التصوير جانباً ليبدأ بمُحادثة صادقة بينهُما.
- أخبريني من أنتِ ؟
- أنا شمسٌ هاربة من كُلِ البشر..
- لماذا تهربين منَ القدرْ؟
- أيُ قدر ؟ ما يفعلهُ بِنا البشر؟ ( ضحكة ساخرة بصوتٍ مسموع)
- أي كلامِ غريب تقولين؟
- لم تفهم ولن..
- لماذا تحكُمين علي دون معرفة مسبقة؟
- هل تحتاجُ لتَعريف؟ وآلة التصوير الدليل.
أمسكَ يدها مُحاولاً تهدئتها. قال لها وعيناه تسبقان كلماته:
- صدقيني لا أريد سوى تتمة عملي.
أبعدت وردة يدها عن ربيع ثم نهضت بسرعة متجهةً إلى باب الغرفة المكسورة.
نظرت إليه نظرة ساخرة حزينة.ثم غادرتِ المكان.
بطريقة آلية ركض ربيع خلفها وهو يسألها:
- لماذا تهربين مني؟ أنا هُنا لإنقاذكم من البؤس الذي تعيشونه.
توقفت وردة بشكل مفاجأ لترد عليه وعيناها شاردتان على الأرض:
- جئتَ لإنقاذنا؟ وهل تتصور أنكَ الصحفي الوحيد الذي جاء هنا؟
- لم أفهم؟
- لستَ الوحيد لقد جاؤوا كثر قبل أن أخسر عائلتي التي ماتت مِنَ الجوع والمرض. لما لمْ يفعلوا شيئاَ؟
ظلّ ربيع صامت لدقائق وهو يفكر في كلامها الذي أذهله. رد عليها بصوتٍ متعجِبْ:
- لا أصدق!
أمسكَ ربيع هاتفه الخلوي متصلاً على رئيسه في الصحيفة:
- سيد سعيد أريد سؤالك أمراً.
- ماذا تريد الآن؟
- لماذا أرسلتمونا هنا؟ وماذا تنوون فعله بالصور التي سنلتقطها؟
- هذا شيء بديهي يا ربيع. ماذا دهاكْ؟
- أخبرني؟
- أحد المنتجين يريد هذه الصور لإضافتها لفلم درامي ولقد دفع ثمنها مسبقاً. هل ارتحت؟
رمى ربيع الهاتف من يده, ثمّ سند ظهره على الحائط وبدأ ينزل إلى أن جلس على الأرض, بدا وجهه كمن تلقى ضربة قوية أفقدته التركيز.
نظر ربيع لوردة بحُزن ممزوج بألم ثم نهض من على الأرض رامياً بآلة التصوير التي يحمل.
قال لها وهو يُمسِكُ يدها:
- تعالي معي عالماً آخر يُعيدُ إليكِ رحيقكِ.
كان في هذه الأثناء قد قرر الاستقالة من العمل الوحيد الذي أحبهُ بصدق. وغادرا المكان معاً
رآها متكورةً على نفسها في زاويةٍ باردة. تبكي وجعاُ لا يريد مفارقتها أبداً.
رَفَعَتْ رأسها تجاهه محاولةً التوقف عَن البُكاء لتستطيعَ رؤيته. دنى منها بهدوءٍ شديد وعيناه مصوبتانِ لعينيها. جلسَ القرفصاء َوبلطفٍ كبير بدأ يمسحُ دموعها..
سألها بصوتٍ رقيق عن اسمها.
بقيتْ صامتة لدقائق ولمْ تُجِبْ عن سؤاله.
فجأة أدارتْ برأسها بعيداُ عن عيونه ثمَّ وضعتْ يداها على شعرها تُسرحه بلطف:
- ورده.
علتْ الابتسامة وجهه:
- وأنا ربيعْ..
أخذ ربيع يركز على بعض الأشياء من حوله. عمله كصحفي يتطلب المصداقية ونقل الحدث بصورة واضحة للناس.
راح يلتقط الصور لبعض التفاصيل الموجودة في المكان. نافذة محطمة وقطع قطنية متناثرة. بعض علب الطعام الفارغة على الأرض ووسادة صغيرة متسخة. ظل يُصور صوراُ متفرقة للمكان حتى وصلت عدسته وجه وردة.
نظرتْ وردة لربيع بطريقة أثارتْ الكثير من المشاعر الغريبة في قلبهْ.
تساءل في أعماقه كيفَ يتجاهلُ هذا الجمال الذي لم يرى مثيله من قبلْ. أيتجاهلُ ذلكَ الجسد النحيل المُغلف بفُستانٍ خمري اللون. وعيناها اللتان تحملان زُرقة البحر وصفاء الغيومْ. وشعرها الذي يحمِلُ لونَ الشمسِ وضوءه ونعومة الحرير.
بدأتْ يداه ترتجفان وعيونه معلقة في عيونها لكن من خلف العدسة.
فجأة نطقت وردة بصوتٍ أقرب إلى الهمس:
- أرجوك. لا تصور..
علت الدهشة وجه ربيع. لم يكن يتصور ردة فعلها.
نهضت وردة من مكانها ثم استدارت تجاه النافذة وبصوتٍ قوي:
- لا أريد المزيد من الكذب.
بدت ملامح ربيع مشدودة كمن صفعه بقوة على وجهه. وضع آلة التصوير أرضاً ثم راح يُكلمها بهدوء:
- آنستي العزيزة وردة. لستُ ممن يقومون بهذا العمل لأغراضٍ شخصية.
لم يلاحظ انحناءة وردة وهي تلتقط صندوقاً صغيراً من على الأرض. فتحته ثم راحت تقرأ الرسالة التي بداخله وبصوتٍ عال:
خلف المروج هناكَ نهرٌ
خلف النهر جسرُ صغير
خلف الجسر هناك شجرة
خلف الشجرة بيتُ جميل
داخل البيت لوحة مطرزة
خيوطها من الصوف
تحت اللوحة هناكَ مدفأة
وبجانب المدفأة هناك شباك
خلف الشباكِ هناك امرأة
بجانبها رجلٌ يحمِلُ طفلة
خلفهم غاباتُ مِنَ الورود
فجأة صمتت وردة والدموع بدأت تنهمر بغزارة.
لم يفهم ربيع بُكائها والرسالة التي قرأت كانت غريبة وغير واضحة.
نظر إليها بتمَعُنْ ثمَ تركَ آلة التصوير جانباً ليبدأ بمُحادثة صادقة بينهُما.
- أخبريني من أنتِ ؟
- أنا شمسٌ هاربة من كُلِ البشر..
- لماذا تهربين منَ القدرْ؟
- أيُ قدر ؟ ما يفعلهُ بِنا البشر؟ ( ضحكة ساخرة بصوتٍ مسموع)
- أي كلامِ غريب تقولين؟
- لم تفهم ولن..
- لماذا تحكُمين علي دون معرفة مسبقة؟
- هل تحتاجُ لتَعريف؟ وآلة التصوير الدليل.
أمسكَ يدها مُحاولاً تهدئتها. قال لها وعيناه تسبقان كلماته:
- صدقيني لا أريد سوى تتمة عملي.
أبعدت وردة يدها عن ربيع ثم نهضت بسرعة متجهةً إلى باب الغرفة المكسورة.
نظرت إليه نظرة ساخرة حزينة.ثم غادرتِ المكان.
بطريقة آلية ركض ربيع خلفها وهو يسألها:
- لماذا تهربين مني؟ أنا هُنا لإنقاذكم من البؤس الذي تعيشونه.
توقفت وردة بشكل مفاجأ لترد عليه وعيناها شاردتان على الأرض:
- جئتَ لإنقاذنا؟ وهل تتصور أنكَ الصحفي الوحيد الذي جاء هنا؟
- لم أفهم؟
- لستَ الوحيد لقد جاؤوا كثر قبل أن أخسر عائلتي التي ماتت مِنَ الجوع والمرض. لما لمْ يفعلوا شيئاَ؟
ظلّ ربيع صامت لدقائق وهو يفكر في كلامها الذي أذهله. رد عليها بصوتٍ متعجِبْ:
- لا أصدق!
أمسكَ ربيع هاتفه الخلوي متصلاً على رئيسه في الصحيفة:
- سيد سعيد أريد سؤالك أمراً.
- ماذا تريد الآن؟
- لماذا أرسلتمونا هنا؟ وماذا تنوون فعله بالصور التي سنلتقطها؟
- هذا شيء بديهي يا ربيع. ماذا دهاكْ؟
- أخبرني؟
- أحد المنتجين يريد هذه الصور لإضافتها لفلم درامي ولقد دفع ثمنها مسبقاً. هل ارتحت؟
رمى ربيع الهاتف من يده, ثمّ سند ظهره على الحائط وبدأ ينزل إلى أن جلس على الأرض, بدا وجهه كمن تلقى ضربة قوية أفقدته التركيز.
نظر ربيع لوردة بحُزن ممزوج بألم ثم نهض من على الأرض رامياً بآلة التصوير التي يحمل.
قال لها وهو يُمسِكُ يدها:
- تعالي معي عالماً آخر يُعيدُ إليكِ رحيقكِ.
كان في هذه الأثناء قد قرر الاستقالة من العمل الوحيد الذي أحبهُ بصدق. وغادرا المكان معاً